إذا فكرت في أي علامة تجارية في أية لحظة، فإن أول ما يخطر على ذهنك -على الأرجح- هو لون شعارها الدعائي. هذه ليست صدفة أو حادثًا يقع لك وحدك، بل هناك نظريات ودراسات كاملة تعني بهذه النقطة وحدها، وهي علم الألون أو كما يُطلق عليها نظرية تأثير الألوان في الدعاية والتسويق.
هذا العلم يمثّل جانبًا مهمًا وشيقًا من علم التسويق، فعملية بناء علامة تجارية تشبه إلى حد كبير بناء منزل أو قطعة أثاث، ينبغي فيها فهم آلية توظيف الأدوات والقوانين لصالحك.
وهذا ما سنقوم بتبسيطه اليوم في هذا المقال، حيث سنغطي كل ما تحتاج إلى معرفته عن الألوان المستخدمة في تصميم الهوية التجارية وقواعدها، وأفضل استراتيجيات توظيفها في التسويق وبناء العلامات التجارية في السوق الحالي، لكن قبل أي شيء، عليك أن تعرف لماذا يجب أن تتعلم بخصوص هذا الشأن بالأساس.
أهمية الألوان التسويقية
عندما تسمع كلمة «حُب»، فما أول شيء يخطر ببالك؟
حسنًا، سواء كان إيجابيًا أو سلبيًا، فالكلمة وحدها ستحفّز شعورًا ما بداخلك، قد تتفاوت قوته، لكن هذا القدر من الشعور بالتأكيد لا يمكن أن تحفزه كلمة «علكة» على سبيل المثال!
العاطفة ذات قوة طاغية، ولها يدٌ عُليا في اتخاذ القرارات بالشكل التي هي عليه. وكعلامة تجارية، فأنت تريد خلق رابطة عاطفية قوية مع عملائك بصورة أو بأخرى. بالطبع لا تستطيع إخبارهم قصّة شركتك كاملةً أو أهدافها كلها من مجرد شعار دعائي - logo، لكن الألوان التسويقية التي تستخدمها حتمًا ستختصر الطريق إلى عواطفهم وأذهانهم.
على سبيل المثال، تؤثر الألوان المختلفة في عاطفة الجمهور على النحو التالي:
- الأحمر يمثل الشغف، الأهمية، والانتباه.
مثل:Coca Cola- CNN - Canon
- الأصفر يمثل التفاؤل، الوضوح، والدفء
مثل: Ferrari- Nikon- Ikea
- الأخضر يمثل السلام، النمو، والصحة
مثل:Android- Tropicana- Spotify
- البرتقالي يمثل الود، المرح، والثقة
مثل: Amazon- Fanta- FireFox
- الأزرق يمثل الثقة، القوة، والحماية.
مثل:Twitter - Dell - Facebook
- الأرجواني يمثل الحكمة، الإبداع، والترف
مثل: Yahoo - Cadbury -welch’s
- الرمادي يمثل التوازن، الهدوء، والحيادية
مثل: Apple- Wikipedia- Mercedes-Benz
- الأسود يمثل القوة، التطور، والإنفعال
مثل: Nike- Puma- The New York times
هذه المعاني بالتأكيد ليست قاعدة ثابتة، فالحقيقة أن انعكاس اللون على النفس هي تجربة شخصية بحتة، أي أنها تختلف من شخص إلى آخر، لكن وفقًا لدراسة «تأثير اللون في التسويق» التي أُقيمت في جامعة وينيبج الكندية، استنتج الباحثون أن 90% من الأحكام التلقائية على المنتجات في السوق تصدر بناءً على الألوان وحدها.
ووفقًا للدور الذي يلعبه ويمثله اللون في التسويق، فقد أظهرت دراسة أخرى تمّت في جامعة كارديف البريطانية أن العلاقة بين اللون والعلامة التجارية يتوقف على مدى ملائمة اللون للعلامة المستخدم فيها، ومناسبته للغرض الخاص به، وأن نية الشراء تتأثر بقدر كبير بألوان المنتج، حيث تمثل الألوان «شخصية» العلامة التجارية بأكملها.
والآن، المسألة الأكثر أهمية بالنسبة لكل مصمم، مسوّق أو رائد أعمال هي: كيف يمكن توظيف الألوان بحكمة لتحقيق منافسة قوية مع العلامات الأخرى؟ عندما يتعلق الأمر باختيار اللون الصحيح، فقد تبيّن أن ردود أفعال وانطباعات العملاء على اللون وملائمته أهم بكثير من اللون ذاته مجردًا!
الأبعاد الشخصية للعلامات التجارية
نفّذت عالِمة النفس والأستاذة بجامعة ستانفورد «جينيفر آكر» بعض الأبحاث في هذا الصدد بعنوان «الأبعاد الشخصية للعلامات التجارية»، حيث أشارت إلى أن هناك خمس أبعاد رئيسية تؤثر في شخصية العلامة التجارية، وهي:
حيث يمكن أن تعبر العلامة التجارية عن:
- البساطة والواقعية.
- الأمانة والصدق.
- البهجة والود.
2) بُعد الحماس:
حيث يمكن أن تعبر العلامة التجارية عن:
- التحدي والحماس.
- الخيال والإنفرادية.
- الاستقلالية والمعاصرة.
3) بُعد الكفاءة:
حيث يمكن أن تعبر العلامة التجارية عن:
- الجدارة والجدية.
- الذكاء والتعاون.
- الثقة والريادة.
4) بُعد التطوّر:
حيث يمكن أن تعبر العلامة التجارية عن:
- النعومة والأنوثة.
- حسن المنظر.
5) بُعد الخشونة:
حيث يمكن أن تعبر العلامة التجارية عن:
-الصلابة والخشونة.
- الصرامة والقسوة.
- الجدية والرسمية.
قد تمتلك العلامات التجارية طابعًا يجمع بين بُعدين أو أكثر، ولكن في معظم الحالات يسيطر عليها بُعد وطابع واحد متفرد.
وبينما تعبّر بعض الألوان عن سمات معينة (على سبيل المثال: البني يمثّل الخشونة، البنفسجي يمثّل التطور، الأحمر يمثّل الحماس)، إلا أن كافة الدراسات الأكاديمية تقريبًا التي تناولت موضوع الألوان التسويقية انتهت إلى أهمية دعم الألوان المختارة لشخصية العلامة التجارية التي تريد الشركة ابرازها للجمهور، بدلًا من محاولة اختيار الألوان حسب المعنى النمطي المتعارف عليه عن العلامة التجارية.
انتبه إلى الوقوع في خطأ التعميم بعبارات فضفاضة مثل «الأخضر يعني الهدوء»، لأن هذا الأمر ببساطة غير صحيح، فالسياق هنا مفقود، فأحيانًا كثيرة يعبّر اللون الأخضر عن قضايا بيئية، أو عن منظمات مالية وبنكية.
على سبيل المثال، غالبًا ما يربط الشعب الأمريكي اللون الأخضر بالمعاملات المالية، فلون الدولار الأمريكي هو الأخضر، بينما يمثّل رمزًا للصحة والعافية عند شعوب أخرى، وهذا يفسر لماذا لا تفهم شعوب كثيرة ما يعنيه التعبير الأمريكي «spend the greens» الشائع.
الخلاصة هو أنه لا يوجد دليل إرشادي وحيد وقاطع لاختيار ألوان العلامات التجارية، لأن الشيء المهم هنا هو السياق والعاطفة والقصة التي تحكيها العلامة التجارية.
الألوان التسويقية الشائعة للرجال والنساء:
أحد أهم الأبحاث حول هذا الموضوع كانت من نصيب «جوي هالوك» في عمله «تعيين الألوان - Colour Assigment»، حيث توضّح الدراسة بعض التفضيلات الصريحة للجنسين حول ألوان بعينها.
من أكثر النقاط الملحوظة في نتائج الاستبيانات التي أجراها، هي تفضيل كلا الجنسين للون الأزرق، وتفاوتهم بخصوص الأرجواني (البنفسجي).
من المهم كذلك الأخذ بالاعتبار أن البيئة - على الأخص الخلفية الثقافية - تلعب دورًا قويًا في تحديد مدى تفضيل جنس بعينه لألوان دون غيرها، والتي ستؤثر بالضرورة في اختياراتهم الفردية.
إليك النتائج التي توصّل إليها هالوك حول هذا الموضوع:
الألوان المفضّلة عند الرجال والنساء:
إضافة: أظهرت بعض الدراسات والأبحاث الأخرى المتعلقة بتفضيلات الألوان، أنه عندما يتعلق الأمر بالظِلال والألوان الخفيفة، فإن الرجال يفضّلون الألوان الصريحة الواضحة والظلال (أي الألوان المُضاف إليها اللون الأسود)، بينما تفضّل النساء الألوان الناعمة والخفيفة (أي المضاف إليها اللون الأبيض).
الألوان الأقل شيوعًا عند النساء والرجال:
كيفية تحديد اللون التسويقي المناسب لعلامتك التجارية:
كما قلنا، فإنه لا يوجد طريقة صحيحة للقيام بهذا. فعندما تتعامل مع فكرة تجريدية كالعلامة التجارية، يصير وضع قوانين ثابتة وقوية أمرًا عسيرًا ومشوشًا، لذا قد تحتاج لبعض المساعدة.
في النقاط القليلة القادمة سنشرح كيف يمكنك اختيار نظام ألوان خاص بعلامتك التجارية:
1) اختر ثلاث ألوان فقط:
وهي: لون الأساس، اللون المميز، اللون المحايد.
يمكن للعلامة التجارية أن تمتلك 1 إلى 4 ألوان بناءً على النوع (سنوضّح هذه النقطة لاحقًا)، ولكن حتى الأنظمة أحادية اللون ستحتاج لبعض التنويع في درجات الألوان لأغراض مختلفة.
2) اختر لون الأساس:
هو اللون الذي يمثل السمة الأكثر وضوحًا من بين سمات شخصية علامتك التجارية. لون الأساس لا يعكس فقط السمة الغالبة لشخصية علامتك، بل يجذب كذلك الفئة المستهدفة من الجمهور، والذي ستختار باقي الألوان بناءً على مدى ملائمتهم لهذا اللون.
3) اختر اللون المميز:
اللون المميز هو أكثر لون ستستخدمه بعد اللون الأساسي، وهذه الخطوة أصعب قليلًا من اختيار لون الأساس بسبب وجود قيود أكثر.
فبعيدًا عن ملائمته لسمات شخصية العلامة التجارية، ينبغي أن يلائم اللون الأساسي، ويكون جذابًا للفئة المستهدفة بالطبع.
4) اختيار اللون المحايد:
غالبًا سيكون لون الخلفية، وهو لون يستخدم لعدم جذب الانتباه.
يكون هذا اللون على الأرجح درجات مختلفة من الرمادي، أو الأبيض، أو البيج، أو الأبيض الباهت. يمكن كذلك أن يكون الأسود اختيارًا جيدًا، لكن توخ الحذر، فالأسود عادةً ما يسيطر على أي منظومة ألوان يتواجد فيها.
الآن، وخلال عملية اختيار ألوان علامتك التسويقية، ينبغي أن تهتم بهدف واحد وهو أي نوع تستخدمه من منظومات الألوان. بشكل عام، تستخدم العلامات التجارية واحدة من هذه المنظومات الأكثر شيوعًا وهي:
- نظام أحادي اللون - Monochromatic:
تستخدم عندما تمتلك علامتك التجارية سمة أساسية تريد التركيز عليها، حيث تشدد على المعنى المعروف وراء هذا اللون. يكمن التحدّي في استخدام هذا النوع في التفرقة بين درجات اللون الواحد لتجنّب حدوث إزعاج العين.
- نظام مشابه (مماثل)- Analogous:
يعني أن تكون الألوان بجانب بعضها في عجلة الألوان ذات علاقة متناغمة ومنسجمة، حيث تمتلك الألوان المتجاورة في الأغلب دلالات عاطفية متطابقة.
يعد هذا النظام آمنًا وسهلًا، لكنه كذلك ليس أفضل طريقة للمنافسة وجذب الانتباه.
- نظام متكامل (متتام) Complementary:
يتألّف هذا النظام من ألوان توجد في مقابل بعضها من عجلة الألوان، أي أنها ألوان متضادّة. وعليه، ولأنهما يحققان أفضل نتيجة بصرية وشعورية عندما يجتمعان، فإنك تجد هذا النظام مستخدمًا بشكل كبير في النوادي الرياضية.
النظام مناسب تمامًا للحركة وتحفيز الإنتباه، ولكن كن حذرًا من نسخ أي علامة تجارية أخرى حيث أنها تعد منظومة الألوان الأكثر شيوعًا.
- نظام تكاملي ثلاثي - Triadic:
وهي منظومة ألوان مستقرة وثابتة، وتعني أن الألوان مستخرجة من ثلاثة أقسام مختلفة من عجلة الألوان.
هذه المنظومة مستقرة كالمنظومة المشابهة (المماثلة -Analogous) لكنها تقدّم تأثيرًا وتنوعًا مشابهًا للنظام المتكامل (الممتام - Complementary ) . الجزء الأصعب هو استخراج ثلاثة ألوان تتفق مع سمات هوية علامتك التجارية.
في النهاية، الطريقة التي تمتزج بها ألوان علامتك التجارية ستظهر في كل جانب من جوانب مشروعك، والألوان التي تنتقيها هي التي ستحدد هيئة الشعار التجاري، والموقع الإلكتروني الخاص بك، وتصميم المتجر، وأدوات الدعاية والإعلان، وسمات حسابات الشبكات الإلكترونية، وغيرها. لذا اخترها بعناية.